كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أَيْ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَاجْتَنِبُوا هَذَا الرِّجْسَ كُلَّهُ أَوْ فَاجْتَنِبُوا مَا ذُكِرَ كُلَّهُ، أَيِ ابْعُدُوا عَنْهُ وَكُونُوا فِي جَانِبٍ غَيْرِ الْجَانِبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، رَجَاءَ أَنْ تُفْلِحُوا وَتَفُوزُوا بِمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ تَزْكِيَةِ أَنْفُسِكُمْ، وَتَحْلِيَتِهَا، بِذِكْرِ رَبِّكِمْ، وَمُرَاعَاةِ سَلَامَةِ أَبْدَانِكُمْ وَالتَّوَادِّ وَالتَّآخِي فِيمَا بَيْنَكُمْ، وَتَعَاطِي مَا ذَكَرَ يَصُدُّ عَنْ ذَلِكَ وَيَحُولُ دُونَهُ كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} بَيَّنَ حَظَّ الشَّيْطَانِ مِنَ النَّاسِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ دُونَ مَا قَرَنَ بِهِمَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنَ الْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ، لِأَنَّ بَيَانَ تَحْرِيمِهِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ (أَيْ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ مِنْهَا) تَحْرِيمُ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَالِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ وَكَوْنُ ذَلِكَ فِسْقًا، وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ تَرَكُوهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَخُرَافَاتِ الْوَثَنِيَّةِ، وَالْخِطَابُ هُنَا لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ طَهَّرَهُمُ التَّوْحِيدُ مِنْ خُرَافَاتِ الشِّرْكِ كُلِّهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ: أَقُرِنْتِ بِالْمَيْسِرِ وَالْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ؟ بُعْدًا لَكِ وَسُحْقًا، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ الْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ وَهُمَا مِنَ الْخُرَافَاتِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَلَزِمَهُمَا مَعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَهُمَا مِنَ الرَّذَائِلِ الْمَالِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ قَدْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ رِجْسِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ شَيْءٌ مِنْهُ بِأَهْلِ الْحَنِيفِيَّةِ.
وَالْعَدَاوَةُ ضَرْبٌ مِنَ التَّجَاوُزِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ مَعْنَى مَادَّةِ «عَدَا يَعْدُو» وَهُوَ تَجَاوُزُ الْحَقِّ إِلَى الْإِيذَاءِ، قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: وَالْعَادِي الظَّالِمُ، يُقَالُ: لَا أَشْمَتَ اللهُ بِكَ عَادِيكَ، أَيْ عَدُّوَكَ الظَّالِمَ لَكَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُ الْعَرَبِ فُلَانٌ عَدُوُّ فُلَانٍ: مَعْنَاهُ فُلَانٌ يَعْدُو عَلَى فُلَانٍ بِالْمَكْرُوهِ وَيَظْلِمُهُ اهـ. وَقَالُوا أَيْضًا: الْعَدُوُّ ضِدُّ الصَّدِيقِ وَضِدُّ الْوَلِيِّ أَيِ الْمُوَالِي، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعَدَاوَةَ سَيِّئَةٌ عَمَلِيَّةٌ، وَالْبَغْضَاءَ انْفِعَالٌ فِي الْقَلْبِ وَأَثَرٌ فِي النَّفْسِ فَهُوَ ضِدُّ الْمَحَبَّةِ، فَالْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ يَجْتَمِعَانِ وَيُوجَدُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ.
أَمَّا كَوْنُ الْخَمْرِ سَبَبًا لِوُقُوعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ، حَتَّى الْأَصْدِقَاءِ مِنْهُمْ فَمَعْرُوفٌ وَشَوَاهِدُهُ كَثِيرَةٌ، وَعِلَّتُهُ أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يَسْكَرُ فَيَفْقِدُ الْعَقْلَ الَّذِي يَعْقِلُ الْإِنْسَانَ أَيْ يَمْنَعُهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي تَسُوءُ النَّاسَ وَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِ حُبُّ الْفَخْرِ الْكَاذِبِ، وَيُسْرِعُ إِلَيْهِ الْغَضَبُ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ مُحِبِّي الْخَمْرِ عَلَى الِاجْتِمَاعِ لِلشُّرْبِ، فَقَلَّمَا تَكُونُ رَذَائِلُهُمْ قَاصِرَةً عَلَيْهِمْ، غَيْرَ مُتَعَدِّيَةٍ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَكَثِيرًا مَا تَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِ مَنْ يَشْرَبُ مَعَهُمْ كَالْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ، وَالْخُلَطَاءِ وَالْعُشَرَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَاتِ بَعْضُ الشَّوَاهِدِ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْ أَغْرَبِ أَخْبَارِ شُذُوذِ السُّكْرِ الَّذِي يُفْضِي مِثْلُهُ عَادَةً إِلَى الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالْهَرْجِ وَالْقِتَالِ، حَدِيثُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ مَعَ عَمِّهِ حَمْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَمُلَخَّصُهُ «أَنَّهُ كَانَ لَهُ شَارِفَانِ «نَاقَتَانِ مُسِنَّتَانِ» أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ عَلَيْهِمَا الْإِذْخِرَ «نَبَاتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ» مَعَ صَائِغٍ يَهُودِيٍّ وَيَبِيعَهُ لِلصَّوَّاغِينَ لِيَسْتَعِينَ بِثَمَنِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ عِنْدَ إِرَادَةِ الْبِنَاءِ بِهَا، وَكَانَ عَمُّهُ حَمْزَةُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ مَعَ بَعْضِ الْأَنْصَارِ وَمَعَهُ قَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ فَأَنْشَدَتْ شِعْرًا حَثَّتْهُ بِهِ عَلَى نَحْرِ النَّاقَتَيْنِ وَأَخْذِ أَطَايِبِهِمَا لِيَأْكُلَ مِنْهَا الشَّرَبَ، فَثَارَ حَمْزَةُ وَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ تَأَلَّمَ، وَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَيْهِ وَشَكَا حَمْزَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ عَلَى حَمْزَةَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَطَفِقَ يَلُومُهُ، وَكَانَ حَمْزَةُ ثَمِلًا قَدِ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي؟ فَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى وَخَرَجَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ» وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَوْلَا حِلْمُ الرَّسُولِ وَعِصْمَتُهُ وَعَقْلُهُ وَأَدَبُ عَلِيٍّ وَفَضْلُهُ، وَبَلَاءُ حَمْزَةَ فِي إِقَامَةِ الْإِسْلَامِ وَقُرْبُهُ لَمَا وَقَفَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ عِنْدَ الْحَدِّ الَّذِي وَقَفَتْ عِنْدَهُ.
وَإِنَّ حَوَادِثَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ الَّتِي يُثِيرُهَا السُّكْرُ وَمَا يَنْشَأُ عَنْهَا مِنَ الْقَتْلِ وَالضَّرْبِ وَالْعُدْوَانِ وَالسَّلْبِ، وَالْفِسْقِ وَالْفُحْشِ، وَمِنْ إِفْشَاءِ الْأَسْرَارِ، وَهَتْكِ الْأَسْتَارِ، وَخِيَانَةِ الْحُكُومَاتِ وَالْأَوْطَانِ، قَدْ سَارَتْ بِأَخْبَارِهَا الرُّكْبَانُ، وَمَا زَالَتْ حَدِيثَ النَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ.
وَأَمَّا الْمَيْسِرُ فَهُوَ مَثَارٌ لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ أَيْضًا وَلَكِنْ بَيْنَ الْمُتَقَامِرِينَ، فَإِنْ تَعَدَّاهُمْ فَإِلَى الشَّامِتِينَ وَالْعَائِبِينَ، وَمَنْ تَضِيعُ عَلَيْهِمْ حُقُوقُهُمْ مِنَ الدَّائِنِينَ وَغَيْرِ الدَّائِنِينَ، وَإِنَّ الْمُقَامِرَ لَيُفَرِّطُ فِي حُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْوَلَدِ، حَتَّى يُوشِكَ أَنْ يَمْقُتَهُ كُلُّ أَحَدٍ.
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: وَأَمَّا الْمَيْسِرُ فَفِيهِ بِإِزَاءِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ الْإِجْحَافُ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، لِأَنَّ مَنْ صَارَ مَغْلُوبًا فِي الْقِمَارِ مَرَّةً دَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى اللَّجَاجِ فِيهِ عَنْ رَجَاءِ أَنَّهُ رُبَّمَا صَارَ غَالِبًا فِيهِ، وَقَدْ يَتَّفِقُ أَلَّا يَحْصُلَ لَهُ ذَلِكَ إِلَى أَلَّا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ، وَإِلَى أَنْ يُقَامِرَ عَلَى لِحْيَتِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ!! وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ فَقِيرًا مِسْكِينًا وَيَصِيرُ مِنْ أَعْدَى الْأَعْدَاءِ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا غَالِبِينَ لَهُ، اهـ.
وَأَمَّا كَوْنُ كُلٍّ مِنَ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَفْسَدَتُهَا الدِّينِيَّةُ فَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِهِمَا مَثَارًا لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَهُوَ مَفْسَدَتُهَا الِاجْتِمَاعِيَّةُ لِأَنَّ كُلَّ سَكْرَةٍ مِنْ سَكَرَاتِ الْخَمْرِ، وَكُلَّ مَرَّةٍ مِنْ لَعِبِ الْقِمَارِ، تَصُدُّ السَّكْرَانَ وَاللَّاعِبَ وَتَصْرِفُهُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ الَّذِي هُوَ رُوحُ الدِّينِ، وَعَنِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ، إِذِ السَّكْرَانُ لَا عَقْلَ لَهُ يَذْكُرُ بِهِ آلَاءَ اللهِ وَآيَاتِهِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، أَوْ يُقِيمُ بِهِ الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ ذِكْرُ اللهِ، وَزِيَادَةُ أَعْمَالٍ تُؤَدِّي بِنِظَامٍ لِغَرَضٍ وَقَصْدٍ، وَلَوْ ذَكَرَ السَّكْرَانُ رَبَّهُ، وَحَاوَلَ الصَّلَاةَ لَمْ تَصِحَّ لَهُ، وَالْمُقَامِرُ تَتَوَجَّهُ جَمِيعُ قُوَاهُ الْعَقْلِيَّةِ إِلَى اللَّعِبِ الَّذِي يَرْجُو مِنْهُ الرِّبْحَ وَيَخْشَى الْخَسَارَةَ فَلَا يَبْقَى لَهُ مِنْ نَفْسِهِ بَقِيَّةٌ يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى بِهَا، أَوْ يَتَذَكَّرُ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَلَعَلَّهُ لَا يُوجَدُ عَمَلٌ مِنَ الْأَعْمَالِ يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَيَصْرِفُهُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَيَحْصُرُ هَمَّهُ فِيهِ مِثْلَ هَذَا الْقِمَارِ، حَتَّى إِنَّ الْمُقَامِرَ لَيَقَعُ الْحَرِيقُ فِي دَارِهِ وَتَنْزِلُ الْمَصَائِبُ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَيُسْتَصْرَخُ وَيُسْتَغَاثُ فَلَا يُصْرِخُ وَلَا يُغِيثُ، بَلْ يَمْضِي فِي لَعِبِهِ، وَيَكِلُ أَمْرَ الْحَرِيقِ إِلَى جُنْدِ الْإِطْفَاءِ، وَأَمْرَ الْمُصَابِينَ مِنَ الْأَهْلِ إِلَى الْمُوَاسِينَ أَوِ الْأَطِبَّاءِ، وَمَا زَالَ النَّاسُ يَتَنَاقَلُونَ النَّوَادِرَ فِي ذَلِكَ عَنِ الْمُقَامِرِينَ، مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْمُعَاصِرِينَ.
عَلَى أَنَّ الْمُقَامِرَ إِذَا تَذَكَّرَ الصَّلَاةَ أَوْ ذَكَّرَهُ غَيْرُهُ بِهَا، وَتَرَكَ اللَّعِبَ لِأَجْلِ أَدَائِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُؤَدِّي مِنْهَا إِلَّا الْحَرَكَاتِ الْبَدَنِيَّةَ بِدُونِ أَدْنَى تَدَبُّرٍ أَوْ خُشُوعٍ، وَلاسيما إِذَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ إِلَى اللَّعِبِ، نَعَمْ إِنَّهُ قَدْ يَأْتِي بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ تَامَّةً فَيَفْضُلُ السَّكْرَانَ بِهَذَا إِذْ لَا يَكَادُ يَأْتِي مِنْهُ ضَبْطُ أَفْعَالِهَا، وَلَكِنَّ السَّكْرَانَ قَدْ يَفْضُلُهُ بِأَعْمَالِ الْقَلْبِ وَالْخُشُوعِ وَلَوْ بِغَيْرِ عَقْلٍ، فَكَمْ مِنْ سَكْرَانٍ يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى وَيَذْكُرُ ذُنُوبَهُ حَتَّى سُكْرَهُ وَيَبْكِي، وَيَدْعُو اللهَ تَعَالَى أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، لَقِيتُ مَرَّةً سَكْرَانًا فِي أَحَدِ شَوَارِعِ الْقَاهِرَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ يُقَبِّلُ يَدِي وَيَبْكِي وَيَقُولُ: ادْعُ اللهَ لِي أَنْ يَتُوبَ عَلَيَّ مِنَ السُّكْرِ وَيَغْفِرَ لِي، أَنْتَ ابْنُ الرَّسُولِ، وَدُعَاؤُكَ مَقْبُولٌ، وَأَمْثَالُ هَذَا الْكَلَامِ، وَإِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ السَّكْرَانِ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ وَمَا يَفْعَلُ، فَهُوَ بِالْأَوْلَى لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ الْمُقَامِرِ الَّذِي يَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَلْبُهُ مَشْغُولٌ عَنْهُ بِمَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَتَدَبَّرُ الْقُرْآنَ، وَلَا يَخْشَعُ لِلرَّحْمَنِ، وَهُوَ عَاقِلٌ مُكَلَّفٌ قَادِرٌ عَلَى مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ، وَتَوْجِيهِهَا إِلَى مُرَاقَبَةِ رَبِّهِ وَلَا يُفِيدُ مِثْلَ هَذَا الْمُصَلِّي السَّاهِي عَنْ صَلَاتِهِ إِفْتَاءُ الْفُقَهَاءِ بِصِحَّتِهَا، إِذَا كَمُلَتْ شُرُوطُهَا وَفُرُوضُهَا، فَمَا كُلُّ صَحِيحٍ عِنْدَ عُلَمَاءِ الرُّسُومِ بِمَقْبُولٍ {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (107: 4، 5).
قَدْ يُقَالُ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عِلَّتَيْنِ لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إِحْدَاهُمَا اجْتِمَاعِيَّةٌ وَالْأُخْرَى دِينِيَّةٌ تَصْدُقُ عَلَى الْأَلْعَابِ الَّتِي اشْتَدَّ وُلُوعُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِهَا؛ كَالشِّطْرَنْجِ فَالظَّاهِرُ أَنْ تُعَدَّ بِذَلِكَ مُحَرَّمَةً كَالْمَيْسِرِ؛ لِأَنَّهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ اللَّعِبُ بِهَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ؟ قَالَ السَّيِّدُ الْآلُوسِيُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ تَفْسِيرِهِ «رُوحِ الْمَعَانِي»: وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مِمَّنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ يَجْرِي بَيْنَهُمْ مِنَ اللَّجَاجِ الْحَلِفُ الْكَاذِبُ وَالْغَفْلَةُ عَنِ اللهِ تَعَالَى وَمَا يَنْفِرُ مِنْهُ الْفِيلُ، وَتَكْبُو لَهُ الْفَرَسُ وَيَصْحُو مِنْ هُمُومِهِ الرُّخُّ بَلْ يَتَسَاقَطُ رِيشُهُ، وَيَحَارُ لِشَنَاعَتِهِ بَيْذَقُ الْفَهْمِ، وَيَضْطَرِبُ فِرْزِينُ الْعَقْلِ، وَيَمُوتُ شَاهُ الْقَلْبِ، وَتَسْوَدُّ رُقْعَةُ الْأَعْمَالِ، اهـ.
وَأَقُولُ: إِنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ إِذَا كَانَ عَلَى مَالٍ دَخَلَ فِي عُمُومِ الْمَيْسِرِ وَكَانَ مُحَرَّمًا بِالنَّصِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِتَحْرِيمِهِ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إِلَّا إِذَا تَحَقَّقَ فِيهِ كَوْنُهُ رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، مُوقِعًا فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، صَادًّا عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، بِأَنْ كَانَ هَذَا شَأْنَ مَنْ يَلْعَبُ بِهِ دَائِمًا أَوْ فِي الْغَالِبِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ هَذَا وَإِنَّنَا نَعْرِفُ مِنْ لَاعِبِي الشِّطْرَنْجِ مَنْ يُحَافِظُونَ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ وَيُنَزِّهُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنِ اللَّجَاجِ وَالْحَلِفِ الْبَاطِلِ، وَأَمَّا الْغَفْلَةُ عَنِ اللهِ تَعَالَى فَلَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِ الشِّطْرَنْجِ وَحْدَهُ، بَلْ كُلِّ لَعِبٍ وَكُلِّ عَمَلٍ فَهُوَ يَشْغَلُ صَاحِبَهُ فِي أَثْنَائِهِ عَنِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ فِيمَا عَدَاهُ إِلَّا قَلِيلًا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مُبَاحٌ وَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ، كَلَعِبِ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَالْأَعْمَالِ الصِّنَاعِيَّةِ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَمِمَّا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ اللَّعِبُ؛ لَعِبُ الْحَبَشَةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَضْرَتِهِ، وَإِنَّمَا عِيبَ الشِّطْرَنْجُ مِنْ أَنَّهُ أَشَدُّ الْأَلْعَابِ إِغْرَاءً بِإِضَاعَةِ الْوَقْتِ الطَّوِيلِ، وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ كَرِهَهُ لِأَجْلِ هَذَا، وَنَحْمَدُ اللهَ الَّذِي عَافَانَا مِنَ اللَّعِبِ بِهِ وَبِغَيْرِهِ، كَمَا نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا أَنْ عَافَانَا مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا دَلِيلٍ.
وَلَمَّا بَيَّنَ جَلَّ جَلَالُهُ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَحِكْمَتَهُ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فَهَذَا اسْتِفْهَامٌ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِالِانْتِهَاءِ، قَالَ الْكَشَّافُ: مِنْ أَبْلَغِ مَا يَنْهَى بِهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ قَبْلُ قَدْ تُلِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّوَارِفِ وَالْمَوَانِعِ، فَهَلْ أَنْتُمْ مَعَ هَذِهِ الصَّوَارِفِ مُنْتَهُونَ أَمْ أَنْتُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ كَأَنْ لَمْ تُوعَظُوا وَلَمْ تُزْجَرُوا؟.
قَالَ هَذَا بَعْدَ بَيَانِ مَا أَكَّدَ اللهُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ سَبْعَةِ وُجُوهٍ وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ الْمُؤَكِّدَاتِ بِأَوْضَحَ مِمَّا بَيَّنُوهَا بِهِ وَأَوْسَعَ فَنَقُولُ:
أَحَدُهَا: أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ رِجْسًا، وَكَلِمَةُ الرِّجْسِ تَدُلُّ عَلَى مُنْتَهَى الْقُبْحِ وَالْخُبْثِ، وَلِذَلِكَ أُطْلِقَتْ عَلَى الْأَوْثَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَهِيَ أَسْوَأُ مَفْهُومًا مِنْ كَلِمَةِ الْخَبِيثِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عِدَّةِ آيَاتٍ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ: «الْخَمْرُ أُمُّ الْفَوَاحِشِ وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَوَقَعَ عَلَى أُمِّهِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّتِهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَكَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ «مَنْ شَرِبَهَا وَقَعَ عَلَى أُمِّهِ» إِلَخْ، وَلَيْسَ فِيهِ تَرَكُ الصَّلَاةِ، وَقَدْ عَلَّمَ السُّيُوطِيُّ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي جَامِعِهِ بِالصِّحَّةِ.
ثَانِيهَا: أَنَّهُ صَدَّرَ الْجُمْلَةَ: بِـ «إنما» الدَّالَّةِ عَلَى الْحَصْرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي ذَمِّهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَتِ الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إِلَّا رِجْسًا فَلَا خَيْرَ فِيهَا الْبَتَّةَ.
ثَالِثُهَا: أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْوَثَنِيَّةِ وَخُرَافَاتِ الشِّرْكِ وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا حَدِيثَ «مُدْمِنُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ، ضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ.
رَابِعُهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، لِمَا يَنْشَأُ عَنْهُمَا مِنَ الشُّرُورِ وَالطُّغْيَانُ وَهَلْ يَكُونُ عَمَلُ الشَّيْطَانِ إِلَّا مُوجِبًا لِسَخَطِ الرَّحْمَنِ.
خَامِسُهَا: أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ بِتَرْكِهِمَا مِنْ مَادَّةِ الِاجْتِنَابِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ التَّرْكِ، لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالتَّرْكِ مَعَ الْبُعْدِ عَنِ الْمَتْرُوكِ بِأَنْ يَكُونَ التَّارِكُ فِي جَانِبٍ بَعِيدٍ عَنْ جَانِبِ الْمَتْرُوكِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِذَلِكَ نَرَى الْقُرْآنَ لَمْ يُعَبِّرْ بِالِاجْتِنَابِ إِلَّا عَنْ تَرْكِ الشِّرْكِ وَالطَّاغُوتِ الَّذِي يَشْمَلُ الشِّرْكَ وَالْأَوْثَانَ وَسَائِرَ مَصَادِرِ الطُّغْيَانِ، وَتَرْكِ الْكَبَائِرِ عَامَّةً، وَقَوْلِ الزُّورِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَكْبَرِهَا، قَالَ تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (22: 30) وَقَالَ: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (16: 36) كَمَا قَالَ: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} (39: 17) وَقَالَ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} (53: 32).
سَادِسُهَا: أَنَّهُ جَعَلَ اجْتِنَابَهُمَا مَعَدًّا لِلْفَلَاحِ، وَمَرْجَاةً لَهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ارْتِكَابَهُمَا مِنَ الْخُسْرَانِ وَالْخَيْبَةِ، فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
سَابِعُهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا مَثَارًا لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَهُمَا شَرُّ الْمَفَاسِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ إِلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَعَاصِي فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَنْفُسِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْخَمْرُ أُمَّ الْخَبَائِثِ وَأُمَّ الْفَوَاحِشِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ امْرَأَةً فَاسِقَةً رَاوَدَتْ رَجُلًا صَالِحًا عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ فَسَقَتْهُ الْخَمْرَ فَزَنَى بِهَا، وَأَغْرَتْهُ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ، حَكَوْا هَذِهِ عَنْ بَعْضِ الْأُمَمِ الْغَابِرَةِ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُسَّاقِ فِي مِصْرَ: إِنَّهُ لَوْلَا السُّكْرُ لَقَلَّ أَنْ يُوجَدَ فِي النَّاسِ مَنْ يَقْرُبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْبَغَايَا الْعُمُومِيَّاتِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ هَاتَيْنِ مَفْسَدَتَانِ مُنْفَصِلَتَانِ، لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ غَيْرُ الْبَغْضَاءِ فَيَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ.